الروح الحائرة .
المصريين القدماء كانوا بيعتقدوا إن روح الإنسان أثناء النوم بترتحل للعالم الآخر ,
و هو نفس العالم اللى بتقصُده كل الأرواح بعد الموت .
فى منامنا بنزور العالم الآخر زيارة خاطفة , و هناك أرواحنا بتنزل لينبوع الخلق ,
و هو "نون" (مياه الأزل) , عشان تجدد طاقتها , زى ما بيعمل رع كل ليلة .
النوم ما هو إلا صورة مُصغَرة من الموت , و العكس صحيح .
عشان كده الروح فى لحظة الموت ممكن تُصاب بالحيرة و يختلط عليها الأمر
و تبقى مش عارفة إيه اللى حصل لها بالظبط و الحالة اللى هى فيها دى
هل هى نوم و اللا موت ؟
الفن المصرى فيه مشاهد كتيرة بتصور الـ "بـا" (الروح) على هيئة طائر
بيرفرف بجناحه فوق الجثمان و يتأمله و هو راقد بلا حراك .
نظر الروح للجسد الراقد و مراقبته و هو هامد تماماً , لا بيتنفس و لا بيتقلب
على جنبه اليمين أو الشمال , هى خطوة ضرورية لازم تقوم بيها الروح
عشان تقدر تستوعب اللى حصل لها و تدرِك حدث الوفاة اللى وقع و تعرف
إنها كيان مستقل عن الجسد المادى .
كل المشاهد اللى ظهرت فى الفن المصرى و صوّرِت الحدث ده كانت بتصور
الروح فى حالة صمت تام و تأمُل عميق غير مصحوب بأى حركة أو فعل أو اتصال بالجسد . لكن فى المشهد ده الفنان خرج عن المألوف و صوّر الـ "بـا" و هى بتمد إيديها للجسد و تقوم بنفس الحركة اللى بنعملها لما نيجى نصحِى شخص من النوم فنمِد إيدينا و نهزّه عشان يقوم من نومه . المشهد ده فيه جرعة عالية من المشاعر الإنسانية المتضارية : حيرة , تعلُق , حنين للحياة السابقة , فقدان الإتجاه , حزن . الروح هنا بيختلط عليها الأمر و بتمُر عليها لحظة بيتهيأ لها إنها مستغرقة فى نوم عميق و المفروض تصحَى من نومها و بتمد إيديها للجسد و تحاول تهزّه , زى ما بنعمِل لما نيجى نصحِى واحد نايم . لكن للأسف يبقى الجثمان هامداً بلا حراك و فى النهاية تدرِك الروح أنها ليست نائمة و أن ما حدث لها هو النوم الأكبر (الموت) .
التمثال من عصر الدولة الحديثة و هو معروض فى المتحف المصرى فى القاهرة .
بعدسة الفنانة سناء عباس .